الأحد، 14 فبراير 2016

[الإسلام لعصرنا] ... الإسلام الهيولاني ...

أ . د . جعفر شيخ إدريس
jaafaridris@hotmail.com
      الإسلام الهيولاني [1] ليس إسلاماً لله تعالى ، وإنما هو إسلام لأهواء كل من
يدعي الانتساب إليه . إنه إسلام لا صورة له ولا محتوى ، ولا يمكن أن يُعرَّف أو
يوصف ؛ لأنه دائم التغير والتشكل بأشكال تلك الأهواء التي لا تستقر على حال .
      وهو قابل لهذا التشكل المستمر ؛ لأن القرآن في نظر الهيولانيين وإن كان
نصاً مقدساً إلا أن فهمه هو دائماً فهمٌ بشري ، والفهم البشري يتغير ، بل يجب أن
يتغير بحسب ظروف القارئ للقرآن زماناً ومكاناً وثقافة ومزاجاً . وإذا كانت الفهوم
كلها بشرية فكلها متساوية في كونها فهماً للقرآن الكريم . كيف بغير هذا يكون
الإسلام صالحاً لكل زمان ومكان ؟
      ما الإسلام إذن ؟ من حق كل منتسب إلى الإسلام أن يجيب عن هذا السؤال
بالطريقة التي يريدها ، وليس من حق مخالفه أن يعترض عليه أو يصمه بالكفر أو
الابتداع أو حتى الخطأ ؛ لأن الحقيقة ليست ملكاً لأحد ، وإنما هي أمر نسبي تابع
لرؤى الناس وظروفهم . لا فرق إذن بين شيعة و سنة ، ولا بين سني وأشعري
ومعتزلي وخارجي ، ولا بين معترف بالسنة ومنكر لها ، ولا بين سلفي وصوفي
حتى لو كان الصوفي من النوع الذي يعتقد الولاية في من قال :
وما الكلب والخنزير إلا إلهنا      وما الله إلا راهب في كنيسةِ
      كل هؤلاء متساوون ، ولكل منهم من الحقوق ما لغيره في الوطن المسلم الذي
يعيشون فيه .
      فالإسلام اشتراكي إذا كان هوى المنتسب اشتراكياً ، و أبو ذر هو الاشتراكي
الأول ، و خديجة أم الاشتراكية [ هذه أسماء كتب ظهرت في الخمسينيات ] وهو
رأسمالي إذا كان هواه مع الرأسمالية ؛ لأن الله أحل البيع ، أما الربا الذي حرمه
فليس ربا البنوك الذي هو من ضرورات الاقتصاد الحديث ، وإنما هو ربا العرب
الجاهليين الذي كان يؤخذ أضعافاً مضاعفة استغلالاً لحجة المساكين .
      والإسلام ديمقراطي ؛ لأن الله تعالى يقول : ] وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ [
( الشورى : 38 ) إذ ما ذا تكون الشورى غير الديمقراطية ؟ ولكنه أيضاً دكتاتوري ؛
لأنه يامر بطاعة الحاكم وعدم الخروج عليه .
      والإسلام دين الجَمال فهو لا يعترض على شيء من الفنون الجميلة رسماً
ونحتاً ولا على ما يرسم أو ينحت مكسواً كان أم عارياً ، متحركاً كان أم ساكناً ، ما
دام الغرض منه تذوُّق الجمال ، وإدخال البهجة على النفوس .
      والإسلام دين المتع البريئة ؛ فلا اعتراض فيه على غناء أو موسيقى ، ولا
على رقص بين رجال ونساء ؛ كيف يحرم الغناء والموسيقى من خلق الطيور
المغردة ذات الأصوات الشجية ؟
      والإسلام دين السلام فلا مكان فيه لحرب ولا قتال ؛ لأن الله تعالى يقول :
] كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ [ ( النساء : 77 ) وأما الجهاد فإن
المقصود منه جهاد النفس ، وجهاد الكلمة والبيان ؛ لأن الدعوة إلى الله لا تكون إلا
بالحكمة والموعظة الحسنة . كيف يكون في الإسلام قتال وهو الدين الوحيد الذي
يعترف بالآخر ولا سيما إذا كان منتمياً إلى دين إبراهيمي ؟ فالدين عند الله الإسلام ،
وكل الأنبياء مسلمون ، وكل ما جاؤوا به من دين فهو إسلام ؛ فكل من انتسب إلى
دين من تلك الأديان فهو مسلم لا فرق بينه وبيننا نحن المنتسبين إلى الدين المحمدي .
فإذا كنا نعتقد أنه لا معبود بحق إلا الله ؛ فإن نصارى اليوم يعتقدون أنه لا نجاة
إلا بعبادة المسيح ابن الله ، و اليهود يعتقدون أنه لا نجاة إلا لمن كان من الشعب
الذي اختاره الله . لندع الخلق إذن لخالقها هو الذي يحكم بينها .
      والإسلام دين الحرية ؛ إذ لا إكراه في الدين ؛ فمن شاء أن يدخل فيه دخل ،
ومن شاء أن يخرج منه خرج ، ولا تثريب على داخل فيه أو خارج منه ، فلا كلام
في عصرنا عن ردة ومرتد . إن عصرنا هو عصر حرية التعبير ؛ فدعوا كل
إنسان يقول ما شاء كيف شاء ، ويدعو إليه ويدافع عنه . دعوا الأفكار تتصارع ولا
تحكموا على واحد منها بالحرمان من الدخول في حلبة المصارعة .
      وإذا أراد المسلم أن يهاجر إلى بلد غير إسلامي ويعيش بين ظهراني أهله ،
فله أن يفعل ذلك ؛ لأن الأرض كلها لله ، والإسلام دين الله . ولكن عليه إذا اختار
تلك الهجرة أن يعطي ولاءه الكامل لحكومة البلد الذي اختار الهجرة إليه ،
ولدستورها ولا سيما إذا كان دستوراً ديمقراطياً . فعلى من يعيش في الولايات
المتحدة مثلاً أن يقرأ الدستور الأمريكي في أذن مولوده كما ينادي بالأذان في الأذن
الأخرى [2] . وعليه أن يحتفل بما يحتفلون به من أعياد عامة كعيد الشكر ، وأن
يذبح البط كما يذبحون . ثم عليه أن يهنئهم بما يختصون به من أعياد دينية
نصرانية كانت أم يهودية .
      إعفاء اللحية من العادات التي لا علاقة لها بالعبادات ؛ فإذا كان الناس يرون
في الماضي أن اللحية زينة للرجال ، وأنها تميز بينهم وبين النساء ، فإن ثقافة اليوم
تريد أن تقرب بين الرجال والنساء ، وأن تمحو الفوارق بينهم ؛ فلا بأس على
المسلم لذلك أن يحلق لحيته وشاربه ، وإن قيل إنه بذلك يشابه امرأته .
      نظم الحكم وأمور السياسة والاقتصاد هي من أمر الدنيا الذي قال الرسول
- صلى الله عليه وسلم - عنه : « أنتم أعلم بأمر دنياكم » فلا بأس على
المسلمين اليوم أن يتخذوا من أنظمة الحكم ما يرونه مناسباً لعصرهم ومحققاً
لمطامحهم . وما دام الاتجاه الآن إلى مساواة النساء بالرجال في كل شيء فيجب
أن نغير أحكام الميراث فلا يكون فيها فرق بين ذكور وإناث . ويجب أن يكون من
حق المرأة أن تزاحم لتحتل مكانها في الصفوف الأمامية من المسجد ، وأن
تخطب المصلين وتؤمهم في صلاة الجمعة كما يؤمهم الرجال . كما يجب أن تنال
حقها في الاختلاط بالرجال ومزاحمتهم في أماكن العمل وفصول الدراسة وقاعاتها ،
وأن ترتدي من الملابس ما شاءت وكيف شاءت ما دام اللبس مما يعتبر في عصرها
محتشماً ؛ لأن الحشمة مسألة نسبية تختلف باختلاف الثقافات والعادات والتقاليد .
      لماذا يُضطهد أناس خلق الله فيهم ميلاً طبيعياً إلى جنسهم رجالاً كانوا أم نساء ؟
يجب أن نعطيهم حقوقهم في بلادنا الإسلامية كما تفعل الدول الراقية . أما قصة
قوم لوط وعقاب الله لهم بجعل عالي أرضهم سافلها ؛ فنحن مع أوليري أحد مذيعي
محطة فوكس الأمريكية في أنها قصة رمزية لا حقيقة تاريخية ، وإلا فلماذا لم يقلب
الله مدينة سان فرانسسكو رأساً على عقب ؟ كما قال هذا المذيع .
      وإذا كان من حق هؤلاء أن يقضوا شهوتهم بالطريقة التي تفرضها عليهم
( جيناتهم ) ؛ فكذلك ينبغي أن يعامل بقية الرجال والنساء فيعطوا من الحرية ما
أعطي هؤلاء متزوجين كانوا أم عزاباً ما داموا راشدين وما داموا متراضين . هكذا
تفعل الدول الراقية ، وهكذا ينبغي أن يفعل المسلمون إذا أرادوا أن يعيشوا عصرهم .
أما ما كان يقال من اختلاط الأنساب ؛ فقد وفرت لنا حبوب منع الحمل علاجاً
شافياً له .
      وإذا أخذنا بهذا فإنه يغنينا عن مسألة تعدد الزوجات ومشكلاتها . إنه من
الواضح لنا أن القرآن لا يقر هذا التعدد ؛ لأنه بناه على شرط ذكر لنا أن توفره
مستحيل ، فقال تعالى في آية : ] فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً [ ( النساء : 3 ) ،
وقال في آية أخرى : ] وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ [
( النساء : 129 ) .
      هذا الدين الهيولاني المطواع هو الإسلام الذي تريده أمريكا وترضى عنه ،
وما عداه وخالفه فإنما هو إسلام المتشددين من الوهابيين وأمثال الوهابيين الذين ما
يزالون يعتقدون أن القرآن كله كلام الله ، وأنه يجب الالتزام بكل ما صح عن
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، كما يجب الحكم بما أنزل الله .
________________________
(*) رئيس الجامعة الأمريكية المفتوحة .
(1) الهيولاني نسبة إلى هيولى بفتح الهاء وهي في فلسفة أرستطاليس مادة ليس لها شكل ولا صورة
ثابتة وإنما هي قابلة لأن تأخذ صوراً وأشكالاً مختلفة .
(2) هذا واللهِ ما نصح به أحدهم المصلين في خطبة الجمعة في مسجد من مساجد أمريكا .


(( مجلة البيان ـ العدد [206] صــ 42    شوال 1425 - نوفمبر 2004 ))

ليست هناك تعليقات: